-A +A
حمود أبو طالب
دائما هناك فرق بين حرية الرأي وفوضى الرأي، بين حق التعبير وسوء استخدامه، بين القناعة بنسق فكري معين وفرضه على الآخرين، ومثل هذه الإشكالية تحيلنا إلى ما يحدث في مجال الإعلام، وفي البث الفضائي على وجه الخصوص الذي أصبح متاحاً لكل من لديه قدرة مالية كيفما كان مصدرها، وكيفما كان الغرض، في خضم فوضى لم تعد لها أنظمة حازمة أو قوانين تطبق بصرامة في حال الانحراف عن ضوابط وأخلاقيات المهنة الإعلامية ورسالتها، فقد أصبحنا نشاهد ما لا يستوعبه عقل من وابل الفضائيات العشوائية التي أصبح الكثير منها يشكل خطراً على الفكر والذوق والوعي والأخلاق والقيم الإنسانية.

الخطأ الذي وقعت فيه قناة بداية وأشعل مواقع التواصل استنكاراً لها مؤخراً لا يجب أن يكون مثار استغراب في ظل الوضع القائم حاليا في مجال البث الفضائي، فإذا كانت قد اقترفته وأكثر منه سابقاً كما يقال فإن قنوات غيرها ارتكبت وما زالت ترتكب أخطاء كبيرة، وقنوات أخرى تمارس دورا علنيا في بث أفكار وأيديولوجيات خطيرة وتبني رسالة وأهداف تنظيمات محظورة، بل إن بعضها يعارض بشكل شديد الوضوح سياسات وتوجهات الدولة ورؤيتها التحديثية ويتضامن بشكل ملتبس مع جهات لا تحمل وداً للوطن أو لديها توجهات وسياسات تقترب من العداء له. وفي الجانب الآخر هناك فضائيات تسقط مرارا في سماجة مقرفة وهبوط شائن في ما يتعلق بالذوق العام والضوابط الأخلاقية وتتجاوز المقبول والمعقول بسوء محتوى ما تبثه، وكل هذا الطيف من الفضائيات ما زال حيا نابضا بكل ما فيه ونحن مستسلمون لهذا الاعتداء السافر المستمر.


وفي خضم هذا الوضع السيئ لا بد من تدخل بشكل أو بآخر للجهات المسؤولة دون تمييز أو انحياز، فالخطر الفكري والخطر الأخلاقي لا يختلفان، ولكن لا بد أن يكون التدخل مستنداً إلى قانون واضح وغير قابل للتأويل والتكييف والتخريجات والاستثناءات، يطبق على الجميع.